تأثير إنفصال الزوجين علي الأبناء، والذي يظهر في شكل أعراض كالخوف والقلق والإكتئاب والشعور بالذنب، لإعتقادهم أن الطلاق قد يكون بسبب خطأ ما إرتكبوه.. هذا التأثير يتفاوت طبقا للمرحلة العمرية للطفل.. ويتطلب مراعاة ذلك عند إتخاذ هذا القرار الصعب.
د.محمود عبد الرحمن حمودة أستاذ الطب النفسي بكلية طب جامعة الأزهر والحاصل علي جائزة الدولة في الطب النفسي يقول ان أطفال ما قبل المدرسة 3إلي5 سنوات يشعرون بالحزن لطلاق الوالدين وينتابهم الغضب والقلق ويصبحون أقل إستقرارا نفسيا، ويظهر ذلك في صورة فرط الحركة ونقص الإنتباه والعزلة وعدم اللعب مع الأصدقاء والسلوك المضطرب معهم، وغالبا ما ينتابهم النكوص إلي مرحلة عمرية أصغر، فيصبحون أكثر إعتمادية ويتبولون في فراشهم أو يمصون إصبعهم وتنتابهم الكوابيس الليلية المخيفة.
أما الأطفال في المرحلة ما بين6-8 سنوات فهي أصعب مرحلة للتكيف مع طلاق الوالدين خاصة للأبناء الذكور، وذلك لأن غياب الأب يفقد الإبن نموذج الذكر الثابت الذي يمكنه أن يتوحد به ويظل قدوة له، وهناك خطورة أن يظل متوحدا بالأم وهذا قد يجعله عرضة للإصابة بشذوذ الميول الجنسية مالم يتواجد في حياته بعد الطلاق نموذج لرجل يجسد له القدوة الذكورية، بينما تتوحد البنات بالأم فتقل المشكلة بالنسبة لهم، ويكون التفاعل في هذه السن هو البكاء والشعور بالرفض تجاه الأب الذي ترك البيت، ويحاولون إخفاء تلك المشاعر الحزينة إذا كانت الأم عدائية تجاه الأب، ويقل إعتبارهم لذاتهم ويشعرون بعدم القبول والحب، ويتأخرون دراسيا.
أما الأطفال من9 و12 سنة فينتابهم الحزن ولكن يمكنهم أخذ جانب أحد الوالدين ضد الآخر، بل ويلومون هذا الآخر، ويصبح الأبناء الذكور أكثر عدوانية ولا يتعاونون في البيت ويقل إنجازهم الدراسي، أما البنات فيكن أكثر طاعة للأمهات، ولكن كل من الذكور والإناث من الأبناء ينتابهم القلق مع مخاوف من الوحدة ومشاعر الضعف والعجز، وقد تنتاب بعضهم أعراض جسمانية متكررة مثل الصداع وآلام البطن.
أما المراهقون فإن تعاملهم مع طلاق الوالدين أفضل من الفئات العمرية السابقة، خاصة إذا كانت شخصيتهم قد تبلورت ولهم أصدقاء وإستقلالية شخصية، ويمكنهم مساعدة والديهم علي تجاوز صدمة الطلاق، ولكن قلة منهم قد ترتبط وتعاني مشاعر الغضب وإخراجها في تصرفات غير لائقة في صورة علاقات مع الجنس الآخر، والبعض منهم قد يصبح مكتئبا ومنسحبا من الأسرة والأصدقاء، وقد يفشل في علاقات مستقبلية في الزواج.
وعن التأثيرات طويلة الأمد للطلاق علي الأبناء والتي حاولت الدراسات رصدها في بعض دول العالم فيقول أستاذ الطب النفسي أنه قد لوحظ أن30% من الأطفال تكيفوا بعد طلاق الوالدين بنجاح، و40% كانوا وسطا بين النجاح والتكيف ومعايشة بعض المشكلات، أما30% الباقية فإستمرت لديهم مشاكل طوال الوقت، وتمثلت تلك المشاكل في إستمرار الإحباط والغضب والرفض للأب الذي ترك البيت، أو الحزن مع إجترار ذكريات ما قبل الطلاق ومعايشتها بصورة خيالية مفرطة، ويضيف إن من أهم العوامل التي تزيد من حدوث تلك التأثيرات هو عدم تعاون الوالدين بعد الطلاق، ومشاعر العداء المتبادلة وتحميل الأطفال رسائل لتوصيلها دون الحوار المباشر بين الوالدين، وحديث أحد الوالدين عن الآخر بصورة سيئة، وعدم الوفاء بإحتياجات الأطفال المادية والمعنوية والإتهامات والقضايا المتبادلة بين الوالدين في المحاكم وتدخل أطراف أخري تزيد من تفاقم الصراع، وعدم إستقرار الطفل في منزل أحد الوالدين وتشتته في المكان الذي ينتمي إليه، وحرمان الطفل من أحدهم، أو توصيله ما يعني أن أحد الوالدين لا يحبه أو أنه سيئ ويضر بالطفل، فحين يعلم الطفل أن والده سيئ وأنه ابن لهذا الأب فيفهم أنه هو أيضا سيئ وأنه غير مرغوب مثله، وغالبا ما يصاب بالإكتئاب أو إضطراب السلوك، كما يعاني أطفال المطلقين أيضا من ضغوط لعبة اللوم المتبادل بين الوالدين، أو الصراعات من أجل حضانة الطفل، وهذه الضغوط يمكن أن تزداد تعقيدا بفقد الطفل للإستقرار وتأرجحه بين الوالدين المنفصلين، أو إنتقاله لمنطقة أخري نائية تبعده عن أصحابه من منطقته التي يعيش فيها، وغالبا ما يغيرون مدرستهم أيضا، كما أن إكتئاب الوالدين بتأثير الفشل والطلاق قد يلعب دورا أيضا في سوء حالة الأطفال النفسية، وقد تكون هناك ضغوطا إقتصادية لتدهور دخل الأسرة المادي.
ومن الملاحظات المثيرة تأثر درجات مادة الرياضيات لدي أطفال المطلقين بينما لا تتأثر درجات مادة القراءة لديهم، وليس هناك خطورة من إظهار الأطفال لمشاكلهم السلوكية مثل الشجار والمشاحنات وسوء السلوك، فلا شك أن حدث الطلاق بالنسبة للوالدين يعد حدثا جللا من أحداث الحياة وكذلك بالنسبة للطفل.
وأخيرا فإن الإستمرار في حياة أسرية مليئة بالمشاكل والصراعات علي كل صغيرة وكبيرة أو البرود العاطفي وسوء التواصل بين الزوجين أسوأ تأثيرا علي الأطفال من الطلاق، بشرط أن يكون الطلاق حضاريا بمعني أن يتعاون الوالدان معا وأن يعي كل منهما أنه يمكن أن يكون زوجا غير مناسب ولكنه يمكنه أن يكون أبا جيدا، وأن يظهر كل منهما إحتراما وتقديرا للآخر أمام الأبناء، وألا يستعمل الأطفال في حمل رسائل من أحدهما للآخر ولكن يتم تواصلهما بصورة مباشرة...إذا تحقق ذلك فإن تأثير الإنفصال يكون إيجابيا علي الأطفال أكثر من الإستمرار في حياة أسرية غير مريحة لكل الأطراف.
الكاتب: ريهام عبد السميع.
المصدر: جريدة الأهرام المصرية.